نص كلمة وزير الأوقاف في المؤتمر الدولي الـ “23” للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد:
فإلى كل محبي السلام في العالم نبعث بهذه الرسالة الرافضة لكل ألوان التشدد والتطرف ، برسالة السماحة والوسطية التي يحمل لواءها بقوة أزهرنا الشريف ، وتنطلق من حضارتنا المصرية الضاربة بسماحتها في أعماق التاريخ .
ويأتي عقد هذا المؤتمر في مرحلة دقيقة وفارقة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية بصفة عامة وتاريخ جمهورية مصر العربية بصفة خاصة ، فقد عانينا – كما عانى غيرنا في دول المنطقة وفي الكثير من دول العالم – أشد المعاناة من موجات التشدد باسم الدين ، واقتحام غير المتخصصين لساحات الدعوة والفتوى ، وتوظيف الدين لأغراض سياسية مما جعلنا نقرر وبقوة النأي بالدعوة والفتوى معًا عن أي توظيف سياسي أو صراعات حزبية أو مذهبية ، قد تتاجر باسم الدين أو تستغل عاطفة التدين لتحقيق مصالح خاصة حتى لو كان ذلك على حساب أمننا القومي .
والذي لا شك فيه أن أي موجات للتشدد أو العنف أو الإرهاب أو الإسراع في التكفير إنما تنعكس سلبًا على قضايا الوطن وأمنه ومصالحه العليا من جهة ، وعلى علاقاته الدولية من جهة أخرى ، حيث يصبح الخوف من انتقال عدوى التشدد هاجسًا كبيرًا لدى الأوطان والدول الآمنة المستقرة ، في وقت صار العالم فيه قرية واحدة ما يحدث في شماله يؤثر في جنوبه ، وما يكون في شرقه تجد صداه في غربه ، بل إن تأثير الجهات الأربع يتداخل ويتوازى ويتقاطع بشدة في ظل معطيات التواصل العصري عبر شبكاته المتعددة التي لم يعد بوسع أحد تفادي أصدائها وتأثيراتها .
وقد حذر العلماء من خطورة إطلاق التكفير دون دليل قاطع ، فقال الإمام الشوكاني (رحمه الله) : إن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دينه ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضحَ من شمس النهار ، وفي التأكيد على خطورة التكفير والتحذير من إطلاقه بدون حق يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ . فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ” ( أخرجه البخاري ومسلم ) .
والذي لا شك فيه أيضًا أن روح التسامح والوعي بمقتضيات فقه التعايش من خلال المشتركات الإنسانية والتواصل الحضاري في ضوء الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب من جهة ، وبين الطوائف المتعددة في المجتمع الواحد من جهة أخرى ، إنما تنعكس إيجابًا على المصالح العليا للوطن من حيث الأمن والاستقرار ، والتقدم والرخاء ، بما يؤدي إلى مستقبل أفضل ، والرقي إلى مصاف الأمم المتقدمة .
غير أن اقتحام غير المتخصصين لعالم الدعوة ، وتصدرهم بغير حق لمجال الفتوى أدى إلى كثير من الضلال والإضلال والانحراف ، وصدق نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) إذ يقول : ” إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حتى إذا لم يجد الناس عالمًا اتخذوا رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ” .
ومن هنا كان اختيارُ موضوع ( خطورة الفكر التكفيري والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ) عنوانًا لهذا المؤتمر ، قصدَ تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى كثير من الشباب والجماعات المتطرفة التي اتخذت من تكفير الآخر أو تخوينه أو اتهامه في دينه أو وطنيته وسيلة لاستباحة الدماء والأموال ، والاعتداء على الآمنين وعلى حراس الوطن وحماته، والإفساد في الأرض ” وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ” (البقرة : 205 ) .
وإننا إذ نقيم هذا المؤتمر نؤمّل أن يقدم حلولا جذرية وإسهامًا جادًا في القضاء على الفكر التكفيري ، وفوضى الفتاوى التي تضر بالمصالح الوطنية والعلاقات الدولية ، وأن نخرج برؤية وخطة واضحة المعالم لنبذ كل ألوان العنف والتشدد ، ترفض الإرهاب والتكفير ، وتؤسس لاعتماد صوت الحكمة والعقل والسماحة والتيسير منهجًا للدعوة والفتوى . .
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.